الأسس التي تقوم عليها التربية الخاصة (1)










الأساس الديني :

إن ديننا الإسلامي الحنيف أقر مبادئ ، وأسساً عامة تكفل لكافة أفراد المجتمع حياة هانئة آمنة ، وتنير لهم الطّريق الّذي يجب عليه سلوكهم ، تحض على المساواة في الحقوق والتكافل الاجتماعي ورعاية المجتمع لأبنائه الضعفاء ، وذوي الإحتياجات الخاصة جزء لا يتجزأ من ذلك المجتمع ، وانطلاقاً من ذلك فقد اعتنى ديننا الإسلامي الحنيف بهم عناية لم يعرف تاريخ البشرية لها مثيلاً ، سابقاً بذلك كافة المواثيق ، والإعلانات الدولية عن حقوق الإنسان .
ويعتبر الدين الإسلامي أول من تصدي لأسباب الإعاقة قال – صلي الله عليه وسلم – " ما أنزلَ اللهُ داءً إلا قد أنزلَ لهُ شفاءً عَلِمَهُ من عَلِمَهُ وجَهِلَه من جَهِلَه " أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (6863) وأحمد (3578) واللفظ له.
والشرع المطهر راعى المعاق عند تكليفه، ولم يحمّله ما لا يطيق، أو ما لا يتناسب وقدراته وطاقته، وبينت أن الإعاقة تخفف عن المريض التكليف، ويكتب له الأجر كاملاً، قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا مرض العبد أو سافر كَتَبَ الله تعالى له من الأجر ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا))  رواه البخاري
ثم إن في قصة عبد الله بن أم مكتوم – رضي الله عنه - مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - شاهداً يعطي صورة عناية الإسلام بذوي الاحتياجات الخاصة لمسة جمالية فريدة ، فقد جاء الرجل الأعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسأله ، وكان النبي في ذلك الوقت مشغولا بدعوة كبار القوم من قريش إلى الإسلام ، فلم يلتفت إليه ، وتغير وجهه صلى الله عليه وسلم ، ورغم أنه أعمى لم يرى وجه النبي صلى الله عليه وسلم وملامحه تلك اللحظة إلا أن الله عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى) سورة عبس: الآيات 1 – 5.
ففي هذه القصة، نرى علّة المعاتبة؛ لكونه صلى الله عليه وسلم انشغل بدعوة الوجهاء عن قضاء حاجة هذا الكفيف، وكان الأولى أن تُقضى حاجته، وتقدم على حاجات من سواه من الناس.
وفي هذه القصة دلالة شرعية على تقديم حاجات ذوي الاحتياجات الخاصة على حاجات من سواهم.
ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير، من تضليل الكفيف عن طريقه، أو إيذائه، عبثا وسخرية، فقال: " مَلْعُونٌ مَنْ كَمَهَ أَعْمَى عَنْ طَرِيقٍ "رواه أحمد"
وحسن إسناده الأرنؤوط في تحقيقه للمسند (1/ 217) برقم (1875) وصححه الألباني انظر حديث رقم : 5891 في صحيح الجامع] ؛ فهذا وعيد شديد، لمن اتخذ العيوب الخلقية سببًا للتندر أو التلهي أو السخرية، أو التقليل من شأن أصحابها، فصاحب الإعاقة ماهو إلا إنسان امتحنه الله؛ ليكون فينا واعظًا، وشاهدًا على قدرة الله، لا أن نجعله مادة للتلهي أو التسلي.
إن من أعظم صور العناية بذوي الاحتياجات الخاصة إتاحة الفرصة لهم ليقوموا بدورهم في الحياة الاجتماعية ، و أن يندمجوا مع مجتمعاتهم ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف ابن أم مكتوم رضي الله عنه على المدينة ، فاستخلفه مرتين يصلي بهم وهو أعمى !!رواه أحمد[وحسن إسناده الأرنؤوط في تحقيقه للمسند (3/ 192) برقم (13023)إلا أنه نبه في تحقيقه لسنن أبي داود (4/ 555) برقم (2931) أن الحديث صحيح دون لفظة (مرتين) لأنه صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة مرات كثيرة و ذكر بعض أهل السير أنه استخلفه عليها 13 مرة] .
وكان ابن أم مكتوم رضي الله عنه مؤذنًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعمى !!رواه مسلم.
ومن يطالع التاريخ الإسلامي يرى كيف اهتم الخلفاء المسلمون بذوي الاحتياجات الخاصة في كل العصور :فقد أثر عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه فرض لذوي العاهات راتباً في بيت المال حمايةً لهم من ذُلِّ السؤال .
والخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز ورده في رسالة الفقيه ابن شهاب الزهري وهـو يوضح لـه مواضع السُّنة النبوية في الزكاة [ إنَّ فيها نصيباً للزَّمْنَى والمقعدين ونصيباً لكل مسكين به عاهة لا يستطيع عَيلة ولا تقليباً في الأرض ] فأمر عمر بإحصـائهم وتخصيص قائد مرافق لكل كفيف ، وخادم لكل مقعد لا يقوى على أداء الصلاة وقوفاً .
والوليد بن عبد الملك أول من أنشأ لهم مشفىً خاصاً بهم ، وجعل فيه الأطباء وأجرى لهم الأرزاق والنفقات ، وأمر بحبس المجذومين في مكان محدد لئلا يخرجوا وينشروا العدوى ، وقال لهم [ لا تسألوا الناس ] ، فقد أوقف عليهم بلداً ، وبنى مستشفى للمجذومين في ضواحي دمشق .
وفي الوقت الذي تخبط فيه العالم بين نظريات نادت بإعدام المتخلفين عقليًّا وأخرى نادت باستعمالهم في أعمال السخرة اهتدى الشرق والغرب أخيرًا إلى "فكرة" الرعاية المتكاملة لذوي الاحتياجات الخاصة.. رأينا كيف كان المنهج النبوي في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة!!
وقرر -الشرع الإسلامي- الرعاية الكاملة والشاملة لذوي الاحتياجات الخاصة، وجعلهم في سلم أولويات المجتمع الإسلامي، وشرع العفو عن سفيههم وجاهلهم. وتكريم أصحاب البلاء منهم، لا سيما من كانت له موهبة أو حرفة نافعة أو تجربة ناجحة، وحث على عيادتهم وزيارتهم، ورغب في الدعاء لهم، وحرّم السخرية منهم، ورفع العزلة والمقاطعة عنهم، ويسّر عليهم في الأحكام ورفع عنهم الحرج.


الأساس القانوني :
حيث أن الاهتمام بالتربية الخاصة يعد مطلبا سياسيا عملا بمبدأ تكافؤ الفرص والتعليم للجميع لهذا فإن الإعلانات العالمية والتشريعات والنصوص القانونية التي صدرت عن مختلف المؤتمرات وهيئات الأمم المتحدة ، والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان والإعلانات العالمية لحقوق المعاقين وما تضمنته من توجهات وأبعاد إنسانية ، تمثل اعترافا عالمياً بحقوق المعاقين .
وعلى ھذا الأساس عقد مؤتمر سلامنكا بإسبانیا في شھر يونيو عام 1994م تحت عنوان"المؤتمر العالمي حول الحاجات التربویة الخاصة، حق المشاركة وحق الحصول على نوعیة جیدة من التعلیم " .
و قد جاء ھذا المؤتمر بإطار السیاسات العامة التي وضعھا المؤتمر العالمي حول التربیة للجمیع المنعقد في تایلاند عام 1990م . حیث أشار مؤتمر تایلاند إلى فشل التربیة الخاصة كنظام مستقل بإعطاء النتائج المرجوة عالمیاً .
 وقد حضر ھذا مؤتمر سلامنكا 300 شخص یمثلون (92 دولة و و 25 منظمة دولیة)، وقد تبنى المؤتمر المبادئ والتوجیھات و الممارسات في مجال التربیة الخاصة ، وإطار العمل للتحرك في مجال الحاجات التربویة الخاصة.
 وقد جاءت توصیات المؤتمر كالتالي :
ü  أن لكل طفل معاق حقا أساسیا في التعلیم ویجب أن یعطى الحق في بلوغ مستوى مقبول في التعلیم والمحافظة علیھ .
ü  أن لكل طفل خصائصه الفریدة واھتماماته وقدراته واحتیاجاته الخاصة في التعلیم. ( مبدأ الفروق الفردیة).
ü  أن نظم التعلیم یجب أن تعمم وینبغي أن تطبق البرامج التعلیمیة على نحو یراعى فیه التنوع في الخصائص والاحتیاجات.
ü  أن الأطفال المعاقین من ذوي الحاجات الخاصة بجب أن تتاح لھم فرص الالتحاق بالمدارس العادیة التي ینبغي أن تھیئ لھم تربیة محورھا الطفل وقادرة على تلبیة تلك الاحتیاجات.
ü  أن المدارس العادیة التي تأخذ ھذا المنحى الجامع ھي أنجح وسیلة لكافة مواقف التمییز وإیجاد مجتمعات حقیقیة وإقامة مجتمع متسامح وبلوغ ھدف التعلیم للجمیع. وأن ھذه المدارس توفر فضلاً عن ذلك تعلیمـا محمیـا لغالبیة التلامیذ وترفع من مستوى كفاءاتھم مما یترتب علیھ في آخر المطاف فعالیة النظام التعلیمي برمته .

وهذا الاهتمام السياسي بقضايا التربيه الخاصة ينبع من حجم الاعاقة ذاته ، فتشير إحصائيات منظمة الأمم المتحده الصادرةعن اليونيسيف بأنه يوجد ما يقارب 900 مليون معاق سنه 2013 يمثلون جميع أنواع الإعاقة لتصل نسبتهم إلي ما يعادل 13.5% من مجموع سكان العالم مع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ، ومن الممكن أن تصل إلي 15% وإن تركز معظمهم في الدول النامية حيث سيكون أكثر من 80% منهم من بلدان العالم الثالث والبلدان النامية .
ونتيجة لهذا التزايد حرص المجتمع الدولي والمنظمات العالميه ومنظمات حقوق الإنسان علي أن يأخذ المعاق نصيبه من الرعاية والاهتمام والحقوق والواجبات ، فأصدرت الأمم المتحده إعلان حقوق المعاقين عقليا عام 1981، وذلك بعد حدوث الكثير من التغيرات الديموغرافية في الحياة ، وتفشي العوامل الصحية التي تصيب الأم الحامل قبل وأثناء الولادة والمسببة للإعاقة علي كافة المستويات.
وفي مصر أكد الجهـاز المركزي للتعــبئة العامــة والإحصـاء، أن نسبة الأفراد من ذوى الإعاقات الخاصة بلغت 10،67 % طبقا لإعداد 2017 ، منها 12.68% في الحضر مقابل 9.71% في الريف.
 وكشف الجهاز في بيان له أن أعلى نسبة إعاقة شهدتها محافظة المنيا 3.14 % ، تلتها القاهرة بنسبة 3.05% ، ثم أسيوط بنسبة ، 2.86% وكفر الشيخ بنسبة ، 2.85 % والإسكندرية 2.83% ، 2،77% البحيرة، 2.73% في بني سويف، ثم 2.68% بمحافظة الشرقية.
وبلغ إجمالي الأطفال أصحاب الإعاقات الذين يحصلون علي خدمات وزارة الصحة والتضامن والثقافة والإعلام والتأمين الصحي لا يتعدي نسبة 4% فقط من إجمالي أصحاب الإعاقات وأن 60% منهم لا يتوفر لهم فرص الحصول علي القراءة والكتابة وأن نسبة فرص العمل المخصصة لذوي الاعاقة في القانون المصري لا تتعدي 5%وهذا يؤكد تهميش أصحاب هذه الفئات نتيجة التركيز علي النواحي الطبية دون غيرها، وقلة المساعدات والمراكز التي تقوم بالتأهيل، وارتفاع تكاليف الخدمة ، وقلة التعاون والتكاتف الإجتماعي بين جميع الفئات في رعاية ذوي الإحتياجات الخاصة.ٍ



يتبع الحزء الثاني



>
مصطفي شهاب باحث ومدون

إرسال تعليق