تطور الإهتمام بذوي الإحتياجات الخاصة





إن المتتبع للتربية الخاصة في مختلف المجتمعات الإنسانية الدارس لكتب التاريخ عبر العصور المتلاحقة المطلع علي أنماط المعيشة في المجتمعات البشرية المختلفة علي مر العصور يتضح له أن الاهتمام بالتربية الخاصة لم يكن وليد العصر فعلى الرغم من أن أي مجتمع إنساني عبر التاريخ لم يخل من وجود الإعاقة بأشكالها المتعددة والمتنوعة بين أفراده إلا أن النظرة إلى المعاق بشكل عام كانت مختلفة من مجتمع إلى آخر ومن زمن إلى آخر، فعلي مر التاريخ اختلفت الاتجاهات نحو الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة , وكانت دائما تميل نحو السلبية .وكان ينظر إلي الفرد المعوق علي أنه يشكل عبأً ماديا علي المجتمع ,بالإضافة إلي اعتباره  رجساً الشيطان .


الفترات التاريخية لتطور التربية الخاصة :

1-  ما قبل التاريخ وحتى عام 500 م

كانت اتجاهات الأفراد في هذه الفترة تميل نحو الشعوذة والسحر سواء في تفسير أسباب الإعاقة أو علاجها . وقد افترض أن الإعاقات تأتي نتيجة للروح الشريرة وغضب الإله .وكان الأطفال ذوي الإعاقات الجسمية يقتلون بعد الولادة مباشرة و أما الأطفال الذين يصابون بأي إعاقة تضعف من قدراتهم عن باقي الأفراد الآخرين كانوا يعزلون عن المجتمع في أماكن بعيدة ويتركون بدون رعاية حتى الموت ، واعتبر حياة المعاقين تزيد الشـؤم وأحيانا كانوا يحكمون على آلام بالموت إرضاء للآلهة ومما يدل علي ذلك أنه من قبل الميلاد بآلفي عام وجد لوحة فخار بها بعض الصور لحالات إعاقة.

وقد أشارت كتب التاريخ إلى أنه عثر في جدار معبد مصري قديم على رسم عمره 5 آلاف سنة لطفل فرعوني مشلول الساق قال عنه المختصون في الطب أنه إشارة إلى مرض شلل الأطفال، كما يذكر أن (منفتاح الأول) حوالي سنة (1200 ق.م) قام بعزل آلاف من المجذومين (المقطوعين اليد) من بني إسرائيل في محاجر خاصة ثم أسكنهم بعد ذلك في مدينة (ثانيس) بشمال الدلتا الشرقي حيث كانت المدينة خالية بعد طرد الهكسوس منها، وقد قيل أن إستفحال المرض بين بني إسرائيل كان من بين الأسباب التي دفعت الفراعنة لطردهم من مصر.

أما من جهة أخرى فإن مصر القديمة عرف المجتمع فيها كيفية التعامل مع المعاقين منذ القدم،حيث كان هذا المجتمع أول من عرف تدعيم الأسرة ورعاية الطفولة والمعوقين،ففي عهد الفراعنة حذر حكماء المصريين الناس من السخرية بالمعوقين، ومن أمثلة ذلك قول (أمنموبي): (لا تسخر من أعمى ولا تهزأ من قزم ولا تحتقر الرجل الأعرج ولا تعبس في وجههم، فالانسان صنع من طين وقش والله هو خالقه وهو القادر على أن يهدم ويبني كل يوم)، ولم تكتفي مصر في ذلك الوقت بخطر الإستهزاء بالمعاقين بل كانت تتطلب الإسراع إلى مد يد العون إليهم.

وفي العهد البابلي: سجل حمو رابي طرقا لعلاج مبتوري الاطراف وفاقدي البصر ووجدوا على جدار معبد مصري صورة طفل فرعونى مشلول الساق ويقال عنه في الطب انه شلل الاطفال؟
وفي امريكا الجنوبية: عثر على عظام جمجمة مثقوبة حيث قاموا بها الاطباء البدائيون لعلاج مرضى العقول حيث يثقبون جماجمهم لإفراغها من الأروح الشريرة التي تسكنها.

وفي بلاد اليونان افلاطون 347-427) م.ق: عندما قرر انشاء مدينة اثينا   كان ينظر إلى المعاق نظرة رثاء وازدراء في الوقت نفسه وكان الامتياز العقلي هو فخرهم ومثلهم الأعلى ويرى سقراط أن قيمة الشي تقدر بأدائه الوظيفي ورأى أفلاطون أن المعاقين وجودهم ضرر للدولة ودعا بنفيهم خارج المدينة وأبقى في المدينة الاذكياء والقادرين على الانتاج.

وفي اسبرطة: هنا كان اهلها عند مولد الطفل يأخذوه عند شيخ القبيلة وإذا كان قوي الجسم والتكوين يأمر بتربيته وتعليمه اما إذا كان ضعيف ومعاق يلقى به الى سحيق بقاع الجبل مبررين ذلك انه عبئ على نفسه وغيره.

وفي بلاد الرومان: نفس التطورات في العصر اليوناني ، كان عند ولادة الطفل يتم وضعه عند قدم والده فان رفعه الي صدره أصبح فردا من الاسرة وان لم يفعل يكون في الغالب وجود اعاقه ظاهرة فيلقوه في الانهار أو على قمم الجبال.

2-  الفترة من عام 500م إلي 1500م ( العصور الوسطي ):

كان هناك نظرة مختلفة تماما فكانت نكبة على المعاقين حيث تعرضوا للاضطهاد والتعذيب والإيذاء حتى الموت وصحبها جمود فكرى وتقمص الشياطين أجسادهم واتهامهم بممارسة السحر. وكان يعتقدون ان اللعنة ستحل بهم من الاله لذلك اصدرت الكنيسة احكاما على المتخلفين عقليا لاتصالهم بالشيطان فسجنوهم وعذبوهم لكي يهرب الشيطان من الجسد.

وفي العصر الجاهلي (قبل بعت الرسول الي مئتان قرن قبل البعثة): نادوا بطردهم خارج المدينة ورميهم بالحجارة حتى الموت ويعيبون عليهم باللؤم والخبث والنبذ والسخرية والسخط

3-  الفترة من 1500م وحتى بداية 1900م:

تمثلت هذه الفترة بأنها نقطة التحول في معاملة الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة . والسبب في ذلك فلسفة كل من لوك ( Locke ) وروسو Rousseau , الذين أكدا مبدأ ( كرامة كل الأفراد ) , مما أدي إلي تغير جذري في اتجاه المجتمع نحو هذه الفئة . وقد صاحب هذه الفلسفة الرجوع إلي التفسير العلمي لحالات الإعاقة المختلفة . وقد ذاد الاهتمام بالرعاية الكاملة للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة في هذه الفترة , وإن ظل الاتجاه نحو الأفراد المضطربين سلوكيا يميل نحو التفسير الديني وكان رائد هذا الاتجاه كل من لوثر Luther في ألمانيا وكالفين Calvin في سويسرا , الذين كانا ينظران إلي المضطربين سلوكيا بأنهم غير قادرين . وقد ارجع بعض الأطباء السبب في ذلك إلي وجود اضطراب في وظيفة سوائل الجسم , وكانت نصائحهم في العلاج تناول سوائل متعددة , ويتشابه هذا العلاج مع ما وصفه سلزوس قبل 2000 عام مضت وبنهاية هذه الفترة بدأ الاهتمام بتقديم الرعاية الطبية أكثر من العلاج العقابي للمضطربين سلوكيا .
وبدأ في هذه الفترة الاهتمام أيضا بما يسمى بالتدريب المتدرج لزيادة مهارات المتخلفين عقليا خاصة الأطفال منهم , فقد نشر إيتارد كتابا عام 1801 م عن خبراته مع طفل ( حيواني ) كان يعيش في الغابة بمعدل ذكاء منخفض عن مستوي معظم الحيوانات الأليفة . وقد أعتمد إيتارد في علاجه علي محاولة إثارة الحواس واستعمالها لزيادة مستوي الذكاء لديه وجاء بعد ذلك العالم الفرنسي سجوين الذي عمل علي تطوير الأفكار التي طرحها من قبله إيتارد , ولكنه استخدم أسلوبا يعتمد علي الجوانب الفسيولوجية في تعليم الأفراد المتخلفين عقليا حيث استخدم التنبيه الكهربائي معتمدا علي دمج وإدخال مبادئ الفلسفة , والطب , وعلم النفس في تطوير هذه الطريقة في التدريس وقد نجح سجوين في عام 1837 م في تأسيس أول مدرسة لتعليم الأطفال المتخلفين عقليا في فرنسا .

وجاءت بعد ذلك ماريا منتسورى من إيطاليا ( 1912م ) , التي اعتقدت أن النمو العقلي يعتمد علي تداخل الفرد مع البيئة . وقد أدمجت أعمال إيتارد وسجوين وخرجت بطريقة جديدة لتدريس الأطفال المتخلفين عقليا وكان منهجها يعتمد علي خطوات متدرجة في وسائل الرعاية بالنفس تبدأ من المهارات السهلة إلي المهارات الصعبة , وقبل أن يبدأ الطفل في تعلم مهارة جديدة عليه أن يتقن المهارة التي تسبقها جيدا .. وهذا المبدأ مازال متبعا في تعليم الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة والعاديين حتى الآن ..


4-  الفترة من 1900م وحتى الآن:

تمتاز هذه الفترة بزيادة الاهتمام والرعاية والخدمات التربوية لكل الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة.ويرجع ذلك إلي صدور عدة قوانين حكومية تؤكد حقوق هؤلاء الأفراد , مما أدي إلي ظهور كثير من الجمعيات والمؤسسات التي تدافع عن هذه الحقوق والتي وقف من خلفها معظم الآباء والأخصائيين .

وفي بداية عام 1960م , بدأ الاهتمام ببرامج التربية الخاصة لفئات الإعاقة المختلفة في كثير من دول العالم , وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي اهتمت بشكل خاص بهذه الفئات متمثلا في كثير من الخدمات والبرامج التعليمية الخاصة التي امتدت لتغطي ما يزيد علي أربعة ملايين طفل يتلقون برامج خاصة في معاهد ومدارس متخصصة .

ويعتبر التقدم في العناية الصحية واستخدام أساليب الوقاية والعلاج المتطورة والتي أدت إلي إنقاذ حياة الكثير من أفراد هذه الفئات إلي طول أعمارهم , من الأسباب الرئيسية التي أدت إلي زيادة عدد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع . وعلي الرغم من كل هذا التقدم والرعاية , فما زال هناك نقص وضعف وإهمال , خاصة في البرامج التي تقدم إلي الأطفال المعوقين بدرجة شديدة والذين يحتاجون إلي رعاية خاصة وكاملة في مراكز متخصصة , فأغلب هذه المراكز تهتم فقط بالاحتياجات الأساسية ولا تهتم بطرق التعليم التي ترفع من مهارات وقدرات أفراد هذه الفئة .


التربية الخاصة في نظرة الأديان :-

اليهودية :-
=======
كانوا يسـتبعدون من مجتمعاتهم مرضى الجذام والمعاقين لا نهم نجس وخاطئين ولا يقربون منهم خوفا من النجاسة

المسيحية :-
=======
نظر إليهم على أن لهم الحق فى الحياة وعدم تهميشهما لان الله سمح ان يوجد أشخاص معاقين لحكمة نعجز عنها ومعاملتهم بالعطف و الإحسان وتخلق رجال الدين المسيحي بأخلاق السيد المسيح عليه السلام ونادي بمعاملة المرضى والمعاقين بروح المحبة والإخاء.

الإسلام
=========:-
من الصفات المميزة للحضارة الإسلامية هي الصفات الإنسانية وكيفية التعامل مع الآخرين وسمو ذوي الاحتياجات الخاصة بأهل البلاء وذكروا فى القرآن الكريم وعملوا معاملة حسنة وكان منهم فى مناصب قيادية وحربية. ودعا إلي رعاية المعاقين من الناحية الصحية والطبية والنفسية والعقلية وقد شمل الإسلام المعاقين بالرعاية و خاصة المكفوفين والعرج والمعاقين ذهنياً ، وسار الخلفاء الرا شدين على مساعدة المعاقين دون التفرقة فى الدين.



وأخيراً نستخلص من كل ما سبق أن هناك مجتمعات نبذت هذه الفئة وحاولت التخلص منها في حين وجدت مجتمعات آخرى ساعدت هؤلاء الأشخاص وعملت على حمايتهم عن طريق معاملتهم على قدم المساواة مع نظائرهم الأسوياء.




>
مصطفي شهاب باحث ومدون

إرسال تعليق