الأسس التي تقوم عليها التربية الخاصة (2)







 الأساس الاقتصادي :

لما كانت أهم أهداف التربية هي إعداد الفرد للحياة وتزويده بالمهارات والمعلومات اللازمه لأن يكون عضواً نافعاً بالمجتمع ، وقادراً على تحقيق درجة كافية من الاستقلالية والكفاية الذاتية ، لهذا يأتي اإهتمام بالتربية الخاصة كمطلب إقتصادي خيث أنهم فئة غير قليلة والاهتمام بهم يساعد في دفع عجلة الإنتاج وزيادة الدخل القومي ، خاصة بعدما ثبت في الدراسات العلمية من وجود علاقة بين الإعاقة والتنمية المستدامة ، وترتكز التنمية المستدامة علي التوازن بين البيئة والموارد الإقتصادية والبشرية ، وبين البيئة الطبيعية أو الثقافية الإجتماعية التي تؤثر في تشكيل حياته، بل قد يكون لها أثر في حدوث اإعاقة وتطورها لتكون عجزا يعوق الفرد عن أداء دوره ، وتهتم التنمية المستدامة بالطفل المعاق باعتباره طاقة بشرية معطلة تحتاج إلي تنميتها للإستفادة بكل طاقاتها ويتم ذلك عن طريق رعاية أصحاب ذوي الإحتياجات وتدريبهم لتحويلهم إلي طاقات فاعلة في حدود قدراتهم .    
لذلك فإن إهمال تعليم الطلاب الذين يواجهون صعوبات مختلفة بحجة حاجتهم إلى نمط خاص من التعليم ، سيحرم المجتمع من جزء غير يسير من طاقة أبنائه . كما سينجم عن ذلك خلق فئة معاقة ستكون عبئاً على المجتمع وتتطلب رعايته المستمرة .
إن تقدير تكاليف مثل تلك الرعاية المادية والبشرية المترتبة على تحويل قطاع من العاملين من مجالات الإنتاج إلى مجال تنظيم وإدارة برامج الرعاية لذوي الحاجات الخاصة يعتبر هائلاً . وهذا يعني أن حرمان هؤلاء الأطفال من فرص التعليم لا يترتب عليه خلق فئة معاقة فقط ، بل تحويل نشاط فئة أخرى من الأفراد لتعمل في مجال رعاية هذه الفئة بدلاً من الإسهام في الأنشطة الإنتاجية المختلفة ، مما يعني أن التكلفة على المجتمع تصبح مزدوجة .
والأصول الاقتصادية للتربية هى من المجالات التي يتزايد الاهتمام بها بشدة فى العقود الأخيرة فكما كان من الضروري والأهمية النظر للتربية ودراستها فى علاقتها بالسياسية والبناء الإجتماعى . كان من الضرورى النظر إليها ودراستها فى علاقتها بالاقتصاد . فالتنمية الاقتصادية تتطلب تغيير فى عمليات الإنتاج وفى اتجاهات الأفراد وقيمهم نحو العمل ، كما تتطلب تدريب هؤلاء الأفراد وإكسابهم المهارات اللازمة لإحداث التطور ومتطلبات التنمية وأساس التنافس المحلى والعالمي والذى فرضته قوى وآليات العولمة .
وقد بلغ الاهتمام بدراسة التربية فى الإطار الاقتصادى ، بعد ما أصبحت قوة الأمم وتقدمها لا تقاس فقط بتوافر لديها من موارد طبيعة وإنما بمدى امتلاكها للقوى البشرية الواعية والمدربة على العمل والإنتاج ورصيدها القوى المعرفى المتمثل فى عدد الاكتشافات العلمية وحقوق الملكية الفكرية المسجلة للمخترعين والموهوبين والمبدعين وغيرهم .
وعليه فلا ينبغي أن نهتم بالمبالغة إذا قلنا إن نضهة المجتمع وتحضره مرهون بالتربية الصالحة لكل أبنائه ، وبالتربية الخاصة لأفرادها من ذوي الإحتياجات الخاصة ، والتي تكشف عن قدراتهم وتمني كفاءتهم وتهذب أخلاقهم وتطور شخصياتهم بجملتها والتي لا غني عنها في اعتماد الثروة العلمية والتقنية ، وفي استثمارات الثروات الطبيعية ، وفي إنشاء الصناعات القومية ، وفي الحفاظ علي أمن الأمة وتقدمها .
ومن هنا فإن نجاح عمليات التنمية المختلفة داخل أي مجتمع يتوقف في المقام الأول علي التمنية البشرية فالفرد خير سند لتلك التنمية، وحتي يكون قادرا علي ضبط شؤونها ضبطا محكما فإن التركيز في تنميته ينصب علي حسن تأهلية وتعليمه ، فالتعليم شرط ضروري من شروط التنمية الإقتصادية والاجتماعية في عالم يتغلغل فيه العلم والتقنية في جميع مرافق الحياة ، حيث أن من لا يمتلك مهارة القراءة والكتابة مقضي علية بالتبعية ، ومن وجهة النظر الاقتصادية يجب أن يعمل المجتمع على إكثار العائد من التربية من خلال زيادة كفاءة العمليات التربوية والاستخدام الفعال لأوقات المعلمين والتلاميذ والعناية بالطرق الأكثر كفاءة لتنمية القدرات التى يحتاج إليها المجتمع ، فكل هذه العوامل مع غيرها من العوامل تستطيع أن تكثر بشكل سريع من العائد الاقتصادى للاستثمار فى التربية . لهذا فإن المجتمع الذي تعد فيه التربية الخاصة ضرورة اقتصادية يمتلك من المقومات الأصلية ما يجعل للتعليم اليد العليا في تحقيق التنمية الإقتصادية له .



  الأساس الاجتماعي :

وهو الاهتمام بالفرد ضمن المجموعة التي ينتمي إليها ، وتعليمه متطلبات العيش الكريم بها ، وهذا مما ساعد على ظهور الاتجاه التربوي المسمى " التأهيل المعتمد على المجتمع المحلي " ، ويعد الإهتمام بالتربية الخاصة مطلبا اجتماعيا لإحداث التوافق بين ذوي الإحتياجات الخاصة والنظام العام للحياة، حيث لابد من فقه هذا النظام والأخذ به والعمل علي تخليده. وهذا لا يكون إلا بتربية يكون هدفها إعداد أفراد يؤلفون النسيج المجتمعي لحضارتهم ، وينطلقون بفهم ووعي بطبيعة هذا النظام نحو الأهداف التي ينشدها المجتمع الذي يعيشون فيه .وهذا التوافق مردوده في المقام الأول تربية صالحة ، تؤكد قيم الإيمان الذي هو أكثر فعالية من العقاقير والكتب التي تتحدث عن هذا التوافق ، فالإيمان هو الذي يقيم العلاقة بين الإنسان والكون الذي يعيش فيه علي أساس من المودة والحب.
وإقامة التربية على هذه الأصول تعنى تغير النظر إلى المعرفة التى تتناولها المدارس فى توجيه نمو التلاميذ وفى تحقيق أهدافها الإجتماعية، فالمعرفة ليس غيبية أو فردية أو ذاتية فهى تأتى نتيجة التفاعل المستمر بين الفرد وبيئته حيث تأتى من جهد الإنسان فى مواجهة مشكلات الحياة وبحثه عن حلول لها والتربية من هذا المنظور شأنها شأن العلوم الأخرى حيث ينبغى النظر إلى حقائق التاريخ والعلوم الإجتماعية بنفس النظرة العلمية التى تتبع قواعد العلم وقوانينه ومن ثم يكون لها الأثر فى الارتقاء بالخبرة الإنسانية والمعرفة فى ضوء ذلك يكون لها صفة اجتماعية ووظيفية اجتماعية .
من أجل هذا كانت أهمية التربية الخاصة في تحقيق الإجتماعية الإنسانية للأفراد من ذوي الإحتياجات الخاصة بكافة فئاتهم وتصنيفاتهم ، علي اعتبار أن العلم ركن أساسي في الاجتماع الإنساني كما ذهب ابن خلدون في مقدمته ، وفسر ذلك بأن الإنسان إذا كان يشارك الحيوانات في حيوانياتهم من الحس والتغذية والحركة وغير ذلك إلا أنه قد تميز عنها بالعقل الذي يهتدي به في حياته المعيشية وفي تعاونه مع أبناء جنسه في هذا المجال ، وبتحقيق هذا يصبح الاهتمام بالتربية الخاصة عاملا من عوامل استقرار المجتمع والجماعة الإنسانية كلها، وعاملا من عوامل بنائه ، فهي خير وسيلة لبناء خير فرد وإن كانت به إعاقة، وهو خير وسيلة لبناء مجتمع يملؤه الحب وتسود فيه روح التعاون والإخاء وتنتشرفيه المعرفى التي هي من أهم أدوات بنائه بفضل ما يوجد به من علماء .

>
مصطفي شهاب باحث ومدون

إرسال تعليق